حلة إلى قلب اللوبي المغربي بواشنطن

حلة إلى قلب اللوبي المغربي بواشنطن

قال سعد الدين العثماني اإن الأمريكيين قلقون بخصوص سحب المغرب الثقة من كريستوفر روس، المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراءب. وزير الخارجية المغربي جسّ نبض الموقف الأمريكي من دون صدور تصريح واضح من الدبلوماسية الأمريكية، وعليه أن يلطّف الأجواء في سماء العلاقات بين البلدين، عبر المسالك الدبلوماسية، وأيضا من خلال مجموعات الضغط العاملة للمغرب هناك في واشنطن. في هذا الربورتاج، نأخذكم في رحلة إلى قلب اللوبيات الداعمة للمملكة في بلاد العم سام..

“لقد أكدنا، أكثر من مرة، على إيماننا بالمقترح المغربي الرامي إلى إقامة حكم ذاتي بالأقاليم الجنوبية المغربية، لأنه مقترح معقول وواقعي وذو مصداقية”.. هذا ما صرحت به هيلاري كلينتون، كاتبة الدولة الأمريكية في الخارجية، بمقر وزارتها بالعاصمة الأمريكية واشنطن في الثالث من مارس من السنة الماضية.

بمجرد ما أنهت السيدة كلينتون تصريحها، رسم الطيب الفاسي الفهري، وزير الخارجية المغربي آنذاك، الذي كان بجانبها، ابتسامة عريضة على محياه تعكس ارتياح الحكومة المغربية لهذا الخروج الإعلامي، الذي يشكل ضربة قوية للجزائر والبوليساريو في معركة “أبهاء مبنى الكابيتول”.

كيف استطاعت المملكة المغربية أن تستصدر تصريحا بمثل هذه القوة من كاتبة الدولة في الخارجية الأمريكية؟ الجواب يزودنا به ناشط في مجموعة ضغط “لوبي” تشتغل لفائدة المغرب بالعاصمة الأمريكية، واشنطن، والذي كشف أن “الحكومة المغربية طلبت، في وقت سابق، من الرئيس باراك أوباما أن يدلي بتصريح صحافي يعكس وجهة نظره بخصوص مقترح المغرب بإقامة حكم ذاتي في الأقاليم الجنوبية”.

في مقهاه المفضلة بون بان (Le Bon pain) غير البعيدة عن مكتبه، والواقعة في 1100 13th St NW، أخذ مصدرنا، في ذلك الصباح الجميل من صباحات شهر أكتوبر الماضي، مكانه في الشرفة؛ وبين رشفة وأخرى من فنجان قهوته السوداء ذي الحجم الكبير، كان يكشف معلومات مهمة يجهلها كثيرون حول طرق اشتغال مجموعات الضغط العاملة لفائدة المغرب هنا في عاصمة القرار العالمي، واشنطن دي. سي.

يقول المصدر: “في عمليات مثل هذه (تصريح كلينتون)، يكون التحرك، أولا، من لدن الحكومة المغربية عبر لقاءات رسمية وغير رسمية مع نظرائها الأمريكيين. وإثر ذلك يأتي دورنا بعد أن نكون قد توصلنا بالتوجيهات الكبرى من لدن الزبون، أي المملكة المغربية”. ويشير إلى أن لقاءات تتم مع مجموعة من الشيوخ والنواب، الذين تربطنا معهم علاقات قوية. ويربطون، بعد ذلك، اتصالات مع آخرين من ذوي المواقف المعاكسة للمغرب. ويسترشدون في تلك الخطوات كلها، بحسب المصدر دائما، بمقولة “نمنح قبلة لأصدقائنا؛ لكننا نُقبّل بحرارة أعداءنا”. ويختم المصدر تصريحه بالتأكيد على أن عمل اللوبيات يتركز في منطقتين مهتمين في العاصمة الأمريكية؛ وهما: ازنقة كيب K street، والجهة الشرقية لمبنى الكابيتول (Est Capitol)، الذي يضم الكونغرس والسينا، حيث توجد المطاعم والحانات التي يرتادها النواب والشيوخ.
K street ..شارع صناع القرار

K street هي المنطقة التي تتركز فيها كبريات اللوبيات الضاغطة في صناع القرار بـالولايات المتحدة الأمريكية. بنايات عالية خلف جدرانها توجد فرق عمل تؤثر في الرأي العام الأمريكي وسياسييه بجميع الطرق الممكنة. وفي الشارع الخلفي، يوجد في الزاوية مكتب اللوبي المغربي (MAC)

Moroccan American Center، وبالتحديد في 1220 L Street Nw Suite 411، بجوار مجموعة الضغط العالمية J steet المختصة في الصراع العربي الإسرائيلي، والداعمة كليا للدولة العبرية.

هنا الزبون يُعتبر حقيقة ملكا، حيث تُفوض الدول لمجموعات الضغط مهمة الدفاع عن مصالحها في أمريكا وتلميع صورتها لدى الحكومة الأمريكية، والمغرب من ضمن هذه الدول التي تعاقدت منذ سنوات مع شركات للضغط، أهمها المركز المغربي الأمريكي (MAC)، الذي يشرف عليه إدكار كابرييل، السفير السابق للولايات المتحدة الأمريكية في الرباط، (انظر نص الحوار)، والذي وقّع معه المغرب عقدا منذ سنة 2002.

في هذه الاتفاقية، تحدد الدولة ـ الزبون الأولويات والاحتياجات والقضايا التي تريد كسب دعم الأمريكان حولها، فيما تتكفل شركة الضغط بالقيام بالمهمة. وبالنسبة إلى المغرب و(MAC)، فإن البند الرئيسي للعقد واضح: كسب دعم الولايات المتحدة الأمريكية للموقف المغربي حول الصحراء.

هنا في واشنطن دي سي، وفي باقي الولايات الـ50، وعلى عكس باقي الدول الأوربية، فإن عبارة “لوبي” تعتبر طبيعية في القاموس اليومي ببلاد العم سام، بل إن شركات مجموعات الضغط يجب أن تكون مسجلة لدى مصالح كتابة الدولة في العدل؛ فيما تُعاقب الشركات التي تقوم بالعمل خارج القانون، أي التي لم تسجل نفسها لدى تلك المصالح، وتصل العقوبة إلى الحكم بالسجن على أصحابها.

شركات الضغط مُجبرة، بقوة القانون، على أن تُسجل عقودها مع الزبون وتضعها رهن إشارة المصالح نفسها، وبالتالي تصبح العقود مفتوحة للعموم وليست سرية. وقد يصل الباحث عن تفاصيل العقد إلى ما يشفي غليله من معلومات حول ما يشبه دفتر التحملات بين الزبون والشركة بالتعرف، أيضا، على قيمة العقد، أي المبلغ المالي الذي سيقدمه الزبون إلى شركة الضغط مقابل خدماتها.

بعيدا قليلا عن منطقة K street، وبالضبط في الجهة الشرقية لمبنى الكابيتول، تتوزع مطاعم وحانات مجاورة للمؤسسة الأكثر تأثيرا في الحياة السياسية بأمريكا وسياستها الخارجية. في هذه الأماكن، تتسرب أكثر المعلومات حساسية، لطبيعة الناس الذين يرتادونها. تكثر الحركة عند وجبتي الغذاء والعشاء، حين يترجل الشيوخ وممثلو الشعب من مبنى الكابيتول في اتجاه هذه المطاعم، ويجدون كبار الصحافيين الأمريكيين يتصيدون معلومة أو يبحثون عن مقابلة صحافية في “الأوف” Off؛ فيما يأخذ عدد من رؤساء شركات الضغط أماكنهم بالقرب من الطاولات التي اعتاد الشيوخ، من ذوي الأصوات المسموعة، الجلوس فيها؛ ويفضل آخرون ملاطفة طاقم الكونغرسمان أو السيناتور، لأن هؤلاء هم من يقدم الاستشارة والمعطيات لرؤسائهم.

مقهى ميلانو تبقى الأكثر جاذبية لكل هؤلاء؛ إذ تحدثت تقارير صحفية أمريكية عن أن هيلاري كلينتون شوهدت، في إحدى الليالي، تتناول وجبة العشاء هنا مع الممثلة جوليا روبيرتس ومعهما رئيس إحدى أشهر مجموعات التفكير think thank، الليبرالي جون بوديستا John Podesta. ويدخل مطعم Bistro Bis الفرنسي ضمن سلسلة المطاعم التي تدور بها المعلومات الثمينة، ويعد مقرا لكبار المانحين ونجوم السياسة؛ إذ شوهد الرئيس باراك أوباما، أكثر من مرة، وهو يتناول وجبة العشاء مع عدد من المانحين إبان حملته الانتخابية، حينما كان يحشد الدعم المالي لحملته، حيث أصبح المانحون، اليوم، بعد تولي أوباما الحكم أكثر اللوبيات تأثيرا. هنا، بين السياسة والمال زواج كاثوليكي، فلا غرابة في أن توجد صورة مبنى الكابيتول The Capitol على ظهر الورقة النقدية من فئة 100 دولار.
لاصداقة ولا عداء

“صوت المانحين مسموع في كواليس القرار الأمريكي”، يُبرز حسن السمغوني، رئيس نادي واشنطن المغربي الأمريكي Washington Moroccan American Club. ويضيف السمغوني قائلا: “بدورنا كمغاربة، نحاول قدر المستطاع أن نقوم بالمشاركة في تنظيم حفلات جمع التبرعات لأعضاء مجلس الشيوخ والنواب ورؤساء البلديات أثناء حملاتهم الانتخابية، ليدعموا موقف المغرب في قضية الصحراء عند انتخابهم”.

“من الصعب جدا جمع التبرعات من المغاربة القاطنين بأمريكا لفائدة هؤلاء لافتقادنا لهذه الثقافة”، يستدرك هذا الناشط الجمعوي، الذي قضى 32 سنة في واشنطن، وكافأه الملك الراحل الحسن الثاني بوسام الاستحقاق الوطني سنة 1995، وسلّمه عمدة “نيو جيرسي” مفتاح المدينة كسفير للنوايا الحسنة سنة 2007 على عمله في “التعريف بالمغرب للأمريكيين”.

إلى جانب السمغوني، هناك أسماء أخرى معروفة بعلاقاتها القوية في الولايات المتحدة الأمريكية يستفيد منها المغرب على صعيد الدبلوماسية الموازية واللوبيينغ؛ ومن بينهم فيصل العرايشي، الرئيس المدير العام للقطب العمومي؛ ورشيد السليمي، المستقر حاليا في واشنطن دي. سي. بالنسبة إلى العرايشي، خريج جامعة ستانفورد الأمريكية العريقة، فقد شارك ضمن الوفد المغربي الذي فاوض الأمريكيين حول اتفاق التبادل الحر، وكان محاورا في القضايا المتعلقة بحقوق التأليف. كذلك الشأن بالنسبة إلى السليمي، المتزوج من أمريكية، والعامل اليوم في كواليس القرار بالعاصمة الأمريكية.

لكن رغم كل هذه المعطيات، فإن الإدارة الأمريكية والأمريكيين ليسوا أصدقاء دائمين للمغرب، وكانت لديهم مواقف سلبية تجاه المملكة في كثير من الأحيان؛ وهو ما يفسره يونس أبو أيوب، الباحث في علم الاجتماع السياسي بجامعة كولومبيا الأمريكية وعضو بفريق الخبراء الخاص بالسودان، بالتأكيد على أنه ابالنسبة إلى الإدارة الأمريكية، فرغم أن المغرب لعب دورا مهما إبان الحرب الباردة؛ لكن دوره كان مؤقتا، لأن الولايات المتحدة الأمريكية تعتبره منطقة تأثير خاضعة لفرنساب.
مغاربة الأمم المتحدة

على بعد ساعة من الطيران من واشنطن، توجد نيويورك؛ وبها أهم مبنى يغطي على كل ناطحات السحاب المعروفة بها منطقة امانهاتنب. هناك في منطقة راقية من المدينة يوجد مبنى هيأة الأمم المتحدة. نيويورك مدينة لا تنام، وكذلك الشأن بالنسبة إلى السياسيين الباحثين عن استصدار قرارات مهمة لفائدة بلدانهم من داخل مقر الأمم المتحدة. هنا كل شيء يُباع، بحسب تعبير محمد الحجام، الإعلامي وصاحب شركة للإنتاج؛ حيث من يريد الظهور على قنوات FOX أو CNN أو CBS عليه أن يدفع، أولا، قبل أن يطلع على المباشر. كذلك مجموعات الضغط وباقي المتدخلين في صناعة القرار هنا بالأمم المتحدة.

سمير بنيس، أحد الشباب المغاربة، الذي وجد طريقه ليصل إلى مقر هيأة الأمم المتحدة، حيث يشغل اليوم مهمة مستشار سفير دولة قطر لدى تلك الهيأة. وكمشاهد من بعيد، يجدد سمير، في كل مرة، امتعاضه من عمل شركات الضغط الموالية للمغرب في نيويورك، ويقول إنه اكتشف “أن بعضهم لا يضبط، عادة، كما يجب أن تضبط ملفات المغرب، خصوصا الصحراء”.

مصدر آخر شدد على أن المغرب قد يستفيد كثيرا من وجود المغاربة بشكل مستمر في مقر الهيأة الأمم المتحدة، رغم أنهم يشتغلون لفائدة دول أخرى، وأشار إلى أنهم قد يشكلون مصدرا للمعلومات الطرية بالنسبة إلى البعثة الدبلوماسية المغربية هنا، وبإمكانهم أن يدافعوا عن مصالح المغرب لدى الدول التي يشتغلون لفائدتها؛ لكن، يستدرك المصدر، مصالح وزارة الخارجية لا تعرهم أي اهتمام، بل إن بعضهم لا تتم دعوته حتى للأنشطة الرسمية التي تنظمها البعثة المغربية هنا في نيويورك.

بالنسبة إلى يونس أبو أيوب، فالكفاءة ليست وحدها كفيلة للولوج إلى هيأة الأمم المتحدة، لأن دعم الدولة أو المجموعات ضروري لذلك، ويتابع: “للأسف، فإن المغرب غير موجود في منظمة الوحدة الإفريقية على سبيل المثال. من واشنطن ونيويورك تخرج القرارات الأكثر تأثيرا في العالم، لكن مراحل ما قبل اتخاذ تلك القرارات تستأثر بالاهتمام والتحقيق؛ لأن قبل وصول، على سبيل المثال، رسالة 229 نائبا ديمقراطيا وجمهوريا الداعمة لمقترح الحكم الذاتي في أبريل 2009 كان هناك عمل كبير في الكواليس قادته اللوبيات المغربية في واشنطن ونيويورك. وعندما كانت تطلق السيدة كلينتون العبارات الداعمة للمقترح المغربي في مقر الخارجية الأمريكية وأمام الصحافيين ذلك الأربعاء (23 مارس من السنة الماضية)، فإن تلك اللحظات كانت بمثابة فاكهة مجهودات شهور من عمل اللوبيينغ والدبلوماسية لكسب معركة الأبهاءتضد الجزائر والبوليساريو.
من المخول قانونيا توقيع عقد مع لوبي أمريكي؟

حصلت مجلة االآنب على مجموعة من العقود التي أبرمتها المملكة المغربية مع مجموعات ضغط (لوبيات) تستقر في العاصمة الأمريكية، واشنطن. من بين هذه العقود ما هو حديث التوقيع بين مسؤول في الخارجية المغربية وبين إحدى الشركات الصاعدة في مجال الضغط، وبالضبط مسجلة في خزانة كتابة الدولة في العدل الأمريكية يوم 14 مارس 2011 على الساعة الـ9  صباحا وثلاث وعشرين دقيقة. كما نتوفر على عقود أخرى يعود تاريخ تسجيلها بالمصالح الإدارية الأمريكية إلى أكثر من 4 سنوات.

في كثير من العقود، نجد أن الذي وقع العقد من الجانب المغربي شخصيات لا تمتلك الأهلية القانونية للقيام بهذه المهام، وهو ما يفسره مصدر رفيع المستوى بالقول:اإننا فيما يشبه الحرب مع الجزائر في أوساط مجموعات الضغط الأمريكية؛ لذلك فالطرفان يناوران حتى تبقى هوية الذين يربطون الاتصال بهذه المجموعات غير معروفة.

عمل اللوبيات في واشنطن يتداخل فيه الدبلوماسي والسياسي بالعمل الاستخباراتي؛ ليجد الباحث عن المعلومة، الصحافي، يتحرك فوق خيط رفيع في كل مرة يبحث عن معطيات بهذا الشأن ينقلها إلى الرأي العام.

ويؤكد المصدر، الذي رفض الكشف عن هويته، على أن اكشف تفاصيل هذه العقود وموقعيها قد يؤثر على عمل اللوبيات الداعمة للمغرب، حيث سنقدم الأسماء التي تدافع عن مصالح المملكة على طبق من ذهب إلى الجارة الشرقية، التي ستضعهم بدورها تحت المجهر الاستخباراتيب. صديقنا تجاهل أن الحق في الوصول إلى المعلومة مقدس في الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي رغم محاولات جعل هذا العمل سريا فإنه متاح للعموم في خزانات كتابة الدولة في العدل الأمريكية.
يوسف ججيلي: موفد ” الآن” إلى واشنطن ونيويورك